لم تكن دمشق في السنوات الست الماضية كما هي الآن. كانت تشكل معبراً للخارجين من سوريا عبر مطارها الى الخارج، أو عبر طرقها للمغادرين الى بيروت. كان كل شيء يوحي يومها أن أياماً صعبة آتية الى كل مساحة في سوريا. بالفعل هذا ما حصل. في الفصل الأخير من العام 2013 كانت وجوه الناس حزينة. إنتظروا ضربة أميركية مؤلمة على وقع تهديدات المعارضين المسلحين بالوصول الى قلب دمشق. لكن كل شيء تغير في سوريا حاليا. الآن يطوي السوريون صفحات سنوات آليمة. هم يشاهدون الوفود القادمة اليهم من معظم عواصم العالم. الفنادق باتت مشغولة بنسبة 100% بالتزامن مع حدث معرض دمشق الدولي. لم يغب المعرض سابقاً لكن وهجه ازداد هذا العام بعد إنجازات ميدانية في كل الاتجاهات السورية، خلطت الحسابات السياسية والعسكرية.
في لبنان انشغال بالوفود الوزارية، هل تمثل الحكومة أم هي فردية؟ تلك الانشغالات تفصيلية يضحك عليها السوريون طويلا. لكنهم تحضّروا لاستقبال الوفد اللبناني الصناعي والزراعي. السجال السياسي اللبناني سيجعل من الوزيرين اللبنانيين غازي زعيتر وحسين الحاج حسن نجمين في معرض دمشق وفي اللقاءات المرتقبة في العاصمة السورية.
لكن لماذا الآن تتسابق الوفود من عواصم عدة الى سوريا؟ لا يمكن الا قراءة الخريطة الميدانية ثم السياسية. باتت كل دمشق آمنة بالكامل. في ريفها الواسع وجود لمجموعات مسلّحة تنقسم الى قسمين: الاول يفاوض الدولة للانخراط في هيكلها، كما الحال في دوما مثلا. وقسم يستعد للرحيل بعد نضوج الطبخة التسووية كما حصل في ارياف حمص. ليبقى مقاتلو "داعش" ينتظرون ايجاد مساحة لهم يهربون اليها، بعد تمدد الجيش السوري شرقا في مرحلة ما بعد تدمر مرورا بالسخنة وصولا الى دير الزور. انعكاسات الميدان الدمشقي تظهّرت في ريف السويداء بإنتظار مصالحات درعا. ما يعني ان السلطات السورية تعود تدريجيا للامساك بزمام المبادرة على الحدود الجنوبية.
بالمحصلة، لم يعد الجيش السوري مضغوطا كما كانت السنوات الماضية. صار اقل انشغالا، واكثر خبرة، وأشد قتالا والأوسع انتشاراً. والأهم ان الجيش السوري أصبح المبادر بالهجوم في كل اتجاهات الجغرافية السورية، ولم يعد بموقع الدفاع.
هذا التطور الميداني انعكس في السياسة بفعل اتفاق روسي-أميركي ضبابي، لكنه منتج. يترجم الروس هذا الاتفاق بإتجاهين: الشرق السوري والجنوب. في الشرق تصميم لدحر "داعش"، وفي الجنوب مفاوضات يقودها الروس بدعم أميركي لاعادة المناطق الى حضن الدولة.
في الايام الماضية طلب الأميركيون من "جيش العشائر" المحسوب على المعارضة، عدم قتال الجيش. ثم جاء التصريح الاردني الرسمي الصادر عن المتحدث بإسم الحكومة في المملكة الهاشمية عن مصلحة اردنية بإعادة فتح معبر "نصيب" بين البلدين. هذا يدل على طي صفحة الازمات الميدانية الجنوبية والدمشقية. لتنضم تلك المساحات الى نهضة حلب الصناعية حاليا. كلها دوافع جذبت وفودا دولية للمجيء الى سوريا. تطمع تلك الوفود بإعادة فتح العلاقات مع دمشق، ثم حجز مساحات للاستثمار في مرحلة اعادة الإعمار. كيف سيتصرف السوريون هنا؟